5: بيل فيولا : التحية - Bill Viola: The Greeting
الأرواح عبر الزمن.. من الزيارة للتحية
قراءة فنية لعمل التحية 1995 للفنان: بيل فيولا - المنهج: الاجتماعي والتحليلي - مقال (5) - تطبيق المحاضرة (6)
يعوز تقدم وظهور شُعبًا وتفرعات لا متناهية من الفنون إلى طبيعة كوننا وتجدده المستمر؛ فلا تقف الفنون أمام منظور واحد، حيث أنه يمكن لعمل واحد أن يُولد كمًا هائلًا من الأفكار والإلهام.. لا يمكن تأطير الفنون بحقبة أو فكرة.. لأنه كما قال فيولا "المكان الحقيقي الذي يتواجد به الفلم-أو الفن-، ليس على الشاشات ولا الجدران، إنما في عقل وقلب المشاهد".
أصبحت وسائط الإعلام
الحديثة ال(New Media) أكثر قربًا و تفسيرًا للواقع لأنها جزءًا منه،
فاستُبدل القديم بالحديث وظهرت تقنيات وأساليب ومواضيع غير معهودة في فنوننا
المعاصرة انعكاسًا للتطور العلمي والتكنولوجي وغيرها، ومن أبرز هذه الوسائط هو فن
الفيديو الذي كان رائده بيل فيولا.
ولد الفنان المعاصر
الأمريكي بيل فيولا في نيويورك 1951،وحصل على التعليم الاكاديمي في جامعة سيراكيوز،
حيث درس الفن التجريبي والموسيقى الإلكترونية، يُعتبر فيولا جزءًا من جيل الفنانين
الذين نشأوا في الستينيات والسبعينيات، وهم جيل من الفنانين الذين استفادوا من
تغيرات اجتماعية وثقافية وسياسية هامة؛ ففي هذه الحقبة، كانت ثورة الثقافة وحركة
الفن المعاصر تتزايد، وكانت هناك تأثيرات كبيرة من الفن الشعبي والتجريبي والموسيقي
وغيرها، هذه التجارب الثقافية المتنوعة أثرت في أعمال فيولا وساهمت في تشكيل نهجه
الفني المبتكر.
من الناحية
الاجتماعية تحديدًا، كانت تلك الفترة مشهدًا لتغيرات اجتماعية هامة وحركات
احتجاجية. شهدت الولايات المتحدة الامريكية حركة حقوق المدن وحركة السلام، وكان
فيولا متأثرًا بالتغيرات الاجتماعية والسياسية الجارية. هذه التجارب والمناخ
الاجتماعي المتقلب ترسخ في أعماله ووجهَهُ للاهتمام بقضايا العدالة والتعايش
البشري وقادَهُ للتأمل في يوميات المجتمع واستعمالها كموضوع لأعماله عبر منظوره المميز
للزمن والعواطف.
يستخدم فيولا الفيديو لاستكشاف ظواهر الإدراك الحسي كممر للمعرفة الذاتية، ومحور مسيرته هو استكشاف وتطوير فنون الفيديو والأداء، تركز أعماله على تجارب الإنسان العالمية، مثل: الميلاد والموت وتطور الوعي والمشاهد اليومية، واهتم أيضًا بتجديد الأعمال القديمة، ولأعماله جذور في الفن الشرقي والغربي والتقاليد الروحية والدينية المتعددة؛ حيث أنه يسعى لاستخلاص إمكانيات الصورة في كل أشكالها مُستوحيًا من اللوحات الأيقونية للميثولوجيا الدينية، كان له الدور الأكبر في تأسيس الفيديو كشكل حيوي للفن المعاصر، وبذلك ساهم في توسيع نطاقه من حيث التكنولوجيا والمحتوى والتأثير التاريخي. على مدى 40 عامًا، قام فيولا بإنشاء أشرطة فيديو، وتركيبات فيديو معمارية، وبيئات صوتية، وعروض موسيقى إلكترونية، وقطع فيديو على لوحات مسطحة، وأعمال للبث التلفزيوني. تتميز تركيبات الفيديو لفيولا، بأنها تحيط المشاهد بالصورة والصوت، بتقنيات حديثة ودقة وبساطة مباشرة فتنقله للغوص في أعماق العمل.
يتكون عمل التحية من
مقطع فيديو معروض على شاشة مثبتة على الحائط في غرفة مظلمة، ويُظهر العمل امرأتين
منهمكتين في محادثة، وكفوفهما ترتدي السيدة الأولى التي يبدو عليها كبر السن
قميصًا طويلًا لونه أصفر ووشاح أحمر طويل وتنورة مزخرفة بأشكال هندسية وصندل بني
غامق وشعرها ملتف للأعلى بواسطة مشبك شعر وأقراط أذن على شكل حلقة كبيرة، وترتدي السيدة
الثانية فستانًا أزرقًا وعليه سترة رمادية خفيفة وقلادة وتحمل حقيبة سوداء وحذاء
أسود وشعرها أشقر منسدل، وتقف على الجنب الأيمن للسيدة الأولى، وبينما يتبادلان
الحديث بانغماس شديد تدخل للمشهد امرأة ثالثة شابة وترتدي فستان برتقالي طويل ذو
كسرات وحقيبة بنية منسوجة وصندل بني فاتح وخاتم بحجر زمردي وشعرها أسود قصير جدًا، وقاطعتهما
بقدومها إليهما، وقبل دخولها بثواني تلف المرأة كبيرة السن وجهها مشيحةً النظر عن
المرأة التي بجانبها وموجهةً رأسها وجسمها نحو جهة دخول الشابة وتمد يديها
لاستقبالها فيما تبدو المشاعر على وجهها وجسدها بشكل قوي، ثم تقتحم الشابة المشهد
بدخولها مبتهجة الوجه من يسار العمل متجهةً لأيدي المرأة الأولى، وهي تمد يديها
نحوها أيضًا، في لحظة الدخول تنبع إضاءة على لحظة اللقاء وتتحرك الرياح بشكل واضح
من الملابس، ويتركز المشهد أكثر على التحية بين المرأتين مع تهميش المرأة الثانية،
ومنذ لحظة دخول الشابة لا تُبدي المرأة الثانية ردة فعل واضحة فتقوم بالايماء
قليلًا لتنظر للشابة وتواصل النظر للحظة التحية بوجه خالي من التعابير. تستمر
التحية بتقارب جسد السيدة الكبيرة والشابة لبعضهما وتمد السيدة يدها خلف ظهر
الشابة لاحتضانها، فيما تضع الشابة يديها على كتفي السيدة الكبيرة وتقترب منها
لعناقها، في لحظة التحية يتم العناق وتقترب الشابة من خد السيد الكبيرة فتهمس لها
أو تقبلها. ثم تقفان أمام بعضهما البعض ويدور بينهما حديث بينما تتلامس أيديهما. من
خلف شخصيات المشهد يمكننا أن نلمح المباني الصناعية المصطفة في منظور غريب وبخلفية
حضرية باهتة، وفي أحد المباني هناك ظل شخصين يقفان متقابلين يمكن مشاهدتهما بداية
المشهد فقط.
.png)

ممتاز .. شكرا
ردحذف