1: باربرا هانراهان: كلب الظلام - Barbara Hanrahan: Dog of darkness

باربرا هانراهان..."أين تكمن العوالم الأخرى؟"

قراءة فنية لعمل كلب الظلام للفنانة: باربرا هانراهان. مقال (1)

باربرا هانراهان (Barbara Hanrahan)، كلب الظلام (Dog of Darkness)، 1987، طبعة فنية أصلية، نقش يدوي بتقنية النقش على المعدن (Etching)، أحبار ملونة على ورق، 35.3cm*25.3cm، فن حديث(Modern art)، عُرض العمل معلقًا على الحائط ومؤطر بإطار خشبي تقليدي، في معرض تذكاري فخري للفنانة الراحلة في متحف أديليد مسقط رأسها. وهو ضمن مجموعة خاصة مكونة من عدة طبعات فنية على ورق تحمل أفكار مشابهة (Bee-stung lips: Barbara Hanrahan).

باربرا هانراهان: فنانة وكاتبة ومختصة طباعة فنية أسترالية معروفة بمواضيعها النسوية والاجتماعية. ولدت في أديليد بجنوب أستراليا في عام 1939 وتوفيت بالسرطان في عام 1991. ونشأت في أسرة نسائية كاثوليكية عملية ومحافظة. درست في مدرسة جنوب أستراليا للفنون ثم في كلية تشيلسي للفنون في لندن. بدأت حياتها المهنية كمصممة نسيج ورسامة توضيحية، ثم انتقلت إلى الطباعة الفنية والرسم. تتمحور أعمالها حول المرأة، وتتضمن العلاقات الاجتماعية والعائلية، والعالم الطبيعي، واستكشاف المواضيع المعقدة كالموت والحياة الأخروية والروحانيات والأساطير. ومن ناحية السياسة فتتبع هانراهان الفكر اليساري. أما فنيًا فقد تأثرت بأفكار الحداثة والسريالية والتعبيرية الألمانية. وتأثرت ثقافيًا بالشعبيات البريطانية والأمريكية خلال فترة إقامتها هناك، واستلهمت من الأفكار الوجودية للأديب ويليام بليك. واهتمت بدراسة العلاقات بين الفن والأدب، حيث كتبت العديد من الروايات والمذكرات طوال حياتها المهنية. عُرضت أعمالها محليًا ودوليًا، ومن ذلك: المتحف الوطني الأسترالي ومعرض فنون نيو ساوث ويلز والمتحف البريطاني. حصلت على جائزة الاستحقاق الأسترالية تقديرًا لمساهمتها في الفن والأدب الأسترالي في عام 1985.

نلاحظ في العمل 8 شخصيات مختلفة: 4 نساء إحداهن الشخصية الرئيسية و4 رجال، وكلب وأرنب مرسومان من جهة جانبية فقط، و3 مزهريات، وسلسلة من الزخارف الخطية في مربعات صغيرة في الأسفل، وزهرة تبّاع الشمس في أعلى اليسار، وقطرات متناثرة في عدة أجزاء من الخلفية. وتظهر أنواع من الخطوط المختلفة في: الطول والمتانة والاتجاه، كالخطوط الرفيعة في رسم شعر الرأس للشخصيات، والخطوط العريضة لرسم الملامح ولتحديد أجسام الشخصيات والكائنات، والخطوط النقطية على جلد الأرنب والكلب. وفي معظم العمل تتواجد الألوان الحيادية: الأسود والأبيض وظلال الرمادي، وهناك جزء ملون يدويًا -الشخصية الرئيسية والمزهريات-: بالوردي، والموفي، والأصفر، والسماوي. والقيم اللونية للرمادي متباينة بشدة فهناك مناطق مضاءة ومظلمة. ويخلق استخدام تقنية الخدش -الايتشينق- ملمسًا للطبعة. استعملت الفنانة الفراغ السلبي حول الكلب، ويؤكد المنطقة السلبية الخلفية البيضاء ورائها. والأشكال في الطبعة عضوية وثنائية الأبعاد.

الشخصيات في العمل هم أقارب الفنانة وتظهر أسمائهم على أجسادهم أو بجانبهم، 4 نساء من اليمين:(الجدة، الأم، المربية، العمة) و4 رجال (شخصيات أساسية: الأب، الزوج. فرعية: صديق العمل، الفنان ويليام بليك)، يشير استخدام موضوع الأسرة إلى تفاعل هانراهان العميق مع موضوعات الترابط والعلاقات الإنسانية المعقدة، نشأت باربارا في أسرة مكونة من نساء فقط حيث توفي والدها بعد ولادتها بسنة وتزوجت في عمر متأخر قبل وفاتها، فلم يكن هناك دور كبير للذكر في حياتها. ولذلك كان التركيز على النساء، حيث أنهن أكبر حجمًا من شخصيات الذكور، والرجال خلفهن بحجم أصغر ثم الشخصيات الجانبية في زوايا العمل للصديق وهو زميل أعمالها الذي تعاونت معه في بعض الأعمال والفنان الشاعر ويليام بليك الذي استلهمت منه العديد من الأفكار حول الموت والحياة، أما الشخصية الملونة فهي مركز العمل: الجدة، إذ أن الفنانة ارتبطت بجدتها ارتباط وثيق لقضائها معظم طفولتها بجانبها نظرًا لانخراط والدتها في العمل لتوفر لها حياة رغيدة بعد وفاة عائل الأسرة. وقد لونت الجدة بألوان زاهية مما يعكس شعور الفنانة اتجاهها، فهي مصدر الحب والأمان لها ولديها عدة أعمال تظهر فيها الجدة كمحور أساسي فيها. وتظهر بقية الطبعة بالألوان الحيادية رمزًا للغموض والحزن، استخدمت الفنانة الخطوط العريضة لتحديد العناصر المهمة والخطوط النقطية لإضفاء الحركة على جلد الحيوانات. الطريقة التي تتراكب فيها الشخصيات أضافت توازن بصري للعمل. يخلق تكرار الدموع في أجزاء الطبعة أنماطًا مستمرة تجذب العين وتشير لحالة عامة من الحزن. تتوافق العناصر بالنقوش الغامضة والمتعددة في معظم العمل وفي المربعات أسفل العمل على وجه خاص مما يُكون وحدة في التركيبة. أما بالنسبة للمزهريات فتعزز النباتات العنصر الأنثوي وتجسد التفتح والذبول للإشارة للمشاعر المتذبذبة للفنانة. وتشير زهرة تباع الشمس أعلى يسار العمل إلى قصيدة الشاعر بليك "آه، زهرة الشمس" التي تُلمح إلى ملل الوجود والرغبة في الخلود. واستعملت الفنانة الكلب والأرنب لاهتمامها بدراسة العلاقة بين الأرواح الأنسية والحيوانية ويرمز الكلب إلى كلب الطفولة للفنانة "تينكر" ويرمز أيضًا إلى أسطورة الكلب الأخروي الذي يبشر بقرب المصير كما كتبت الفنانة في قصصها عنه. وهذا يفسر الهالة السوداء حوله. أما الأرنب فيشير للأمل بعكس الكلب ويتجه لاتجاه مغاير وقد استقت فكرة الأرنب من فلسفات الأديب بليك. وتتصل الأشكال العضوية في العمل بالعالم الطبيعي، ويعطي الغموض في الرموز والنقوش والجو العام للطبعة رسالة بأن التجربة الإنسانية أكبر مما تراه العين مما يدعو للتفكير بالتعقيدات الإنسانية والوجودية والاجتماعية.

" أين تكمن العوالم الأخرى؟"

"أسعى لإيجاد نقطة التوازن بين الجمال والخوف، أعتقد أن الأشياء المخيفة والغامضة هي جزء من الحياة، وأنه يجب علينا التعامل معها وإيصال رسالة من خلالها"

أشارت هانراهان إلى أن عملها يهدف إلى تحدي الافتراضات المتعارف عليها حول الطبائع البشرية، والسلوكيات الإنسانية المعقدة، وتشجيع المشاهد على التفكير بعمق في العلاقة بين الإنسان والحيوان والطبيعة، والعوالم المختلفة، وقالت أيضًا: "يبرز الأبيض والأسود التناقض بين الظلام والنور، وبين الخطر والأمان". وهذا ما دفعها لاستخدام تقنية الايتشينق التي تعتمد على تباينات الظلال.

هانراهان فنانة موهوبة يمتاز أسلوبها بمزيج فريد من الواقعية والرمزية، والعمق والبساطة، وتنوع الأفكار. وقد وظفت فنها كوسيلة فعالة لزيادة الوعي فيما تدعم من أفكار تجاه المرأة وتعزيز وجودها. إن إتقانها للطباعة الفنية واستكشافها للحياة الإنسانية من خلال عناصر مبتكرة جعلها شخصية مهمة في الفن الأسترالي والعالمي.

يرتبط العمل الذي أنشأته باربارا بتجاربها الشخصية وصراعاتها الحسية والمعنوية. إذ عاشت الفنانة طفولة صعبة، وفي أسرة مكونة من نساء مستقلات ومناضلات. يمكن اعتبار هذا العمل الفني انعكاسًا لمشاعرها الخاصة بين الخوف والقلق، ورغبتها في مواجهة هذه المشاعر والأفكار والتغلب عليها من خلال فنها.

 إجمالًا، "Dog of darkness"عمل فني شخصي عميق ومشحون عاطفياً وفكريًا يتحدث عن التجارب الإنسانية المُبهمة. وهو شهادة على قدرة هانراهان على استخدام فنها كوسيلة لاستكشاف الموضوعات والعواطف المعقدة، عبر تحوير ونقل تجاربها الشخصية لأفكار عامة تُناقش موضوعات عميقة تلامس معظم المجتمعات والأفراد.

(Bee-stung lips: Barbara Hanrahan)

المراجع:

- McLean, Ian (2008). "Barbara Hanrahan: Art, Writing and Death". Journal of the Association for the Study of Australian Literature. 8 (1): 1-12.

- Robinson, Julia (2021). "Barbara Hanrahan: An Australian feminist artist you need to know". The Conversation. Retrieved from  https://theconversation.com/barbara-hanrahan-an-australian-feminist-artist-you-need-to-know-166664

- Devries, Rachel (2021). "Barbara Hanrahan: Bee Stung Lips". Art Almanac. Retrieved from  https://www.art-almanac.com.au/bee-stung-lips-barbara-hanrahan-works-on-paper-1960-1991/.

- Artlink (2014). "Barbara Hanrahan: Works on Paper 1960-1991". Retrieved from  https://www.artlink.com.au/articles/5032/bee-stung-lips-barbara-hanrahan-works-on-paper-196/.

- Flinders University Museum of Art (2021). "Bee Stung Lips: Barbara Hanrahan". Retrieved from  https://www.flinders.edu.au/museum-of-art/exhibitions/touring-bee-stung-lips-barbara-hanrahan/bsl-touring-exhibition-guide.

- Prints and Printmaking Australia (n.d.). "Barbara Hanrahan". Retrieved from https://www.printsandprintmaking.gov.au/artists/12579/.

- Print Council of Australia (2013). "Barbara Hanrahan: Bee Stung Lips". Retrieved from  https://www.printcouncil.org.au/barbara-hanrahan-bee-stung-lips/.

- Indaily (2021). "Barbara Hanrahan's works shimmer with life, sex, anger, humour and death". Retrieved from  https://indaily.com.au/inreview/visual-art/2021/08/31/barbara-hanrahans-works-shimmer-with-life-sex-anger-humour-and-death/.